سورة القمر : 22

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

Dan sesungguhnya telah Kami mudahkan Al Qur'an untuk pelajaran, maka adakah orang yang mengambil pelajaran ?

But We have indeed made the Qur-an easy to understand and remember: then is there any that will receive admonition ?

سورة الفاتحة

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ


{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين

"(yaitu) jalan orang-orang yang telah Engkau anugerahkan nikmat kepada mereka, bukan (jalan) mereka yang dimurkai dan bukan (pula jalan) mereka yang sesat".

"The way of those on whom Thou hast bestowed Thy Grace, those whose (portion) is not wrath, and who go not astray".


التفسير الجلالين

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
"صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ" بِالْهِدَايَةِ وَيُبْدَل مِنْ الَّذِينَ لِصِلَتِهِ بِهِ . "غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ" وَهُمْ الْيَهُود "وَلَا" وَغَيْر "الضَّالِّينَ" وَهُمْ النَّصَارَى وَنُكْتَة الْبَدَل إفَادَة أَنَّ الْمُهْتَدِينَ لَيْسُوا يَهُودَ وَلَا نَصَارَى وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِع وَالْمَآب وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدنَا مُحَمَّد وَعَلَى آله وَصَحْبه وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا


التفسير الطبرى

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
وَقَوْله : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } إِبَانَة عَنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم أَيّ الصِّرَاط هُوَ , إِذْ كَانَ كُلّ طَرِيق مِنْ طُرُق الْحَقّ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا , فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا يَا رَبّنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ , بِطَاعَتِك وَعِبَادَتك مِنْ مَلَائِكَتك , وَأَنْبِيَائِك , وَالصِّدِّيقِينَ , وَالشُّهَدَاء , وَالصَّالِحِينَ . وَذَلِكَ نَظِير مَا قَالَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تَنْزِيله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَأَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ } 4 66 : 69 قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَاَلَّذِي أُمِرَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته أَنْ يَسْأَلُوهُ رَبّهمْ مِنْ الْهِدَايَة لِلطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيم , هِيَ الْهِدَايَة لِلطَّرِيقِ الَّذِي وَصَفَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَته . وَذَلِكَ الطَّرِيق هُوَ طَرِيق الَّذِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي تَنْزِيله , وَوَعَدَ مَنْ سَلَكَهُ فَاسْتَقَامَ فِيهِ طَائِعًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ يُورِدَهُ مَوَارِدهمْ , وَاَللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . 158 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } يَقُول : طَرِيق مِنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِك وَعِبَادَتك مِنْ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ , الَّذِينَ أَطَاعُوك وَعَبَدُوك. 159 - وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر عَنْ رَبِيع : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } قَالَ : النَّبِيُّونَ. 160 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْمُؤْمِنِينَ. 161 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ وَكِيع { أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } : الْمُسْلِمِينَ . 162 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } قَالَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ طَاعَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَنَالهَا الْمُطِيعُونَ إِلَّا بِإِنْعَامِ اللَّه بِهَا عَلَيْهِمْ وَتَوْفِيقه إِيَّاهُمْ لَهَا . أَوَلَا يَسْمَعُونَهُ يَقُول : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } فَأَضَافَ كُلّ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ اِهْتِدَاء وَطَاعَة وَعِبَادَة إِلَى أَنَّهُ إِنْعَام مِنْهُ عَلَيْهِمْ ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيْنَ تَمَام هَذَا الْخَبَر , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْل الْقَائِل لِآخَر : أَنْعَمْت عَلَيْك , مُقْتَضٍ الْخَبَر عَمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , فَأَيْنَ ذَلِكَ الْخَبَر فِي قَوْله : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } وَمَا تِلْكَ النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا عَنْ اجْتِزَاء الْعَرَب فِي مَنْطِقهَا بِبَعْضٍ مِنْ بَعْض إِذَا كَانَ الْبَعْض الظَّاهِر دَالًّا عَلَى الْبَعْض الْبَاطِن وَكَافِيًا مِنْهُ , فَقَوْله : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ أَمْر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده بِمَسْأَلَتِهِ الْمَعُونَة وَطَلَبهمْ مِنْهُ الْهِدَايَة لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم لَمَّا كَانَ مُتَقَدِّمًا قَوْله : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } الَّذِي هُوَ إِبَانَة عَنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , وَإِبْدَال مِنْهُ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَى مَنْ أُمِرْنَا بِمَسْأَلَتِهِ الْهِدَايَة لِطَرِيقِهِمْ هُوَ الْمِنْهَاج الْقَوِيم وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم الَّذِي قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْ تَأْوِيله آنِفًا , فَكَانَ ظَاهِرُ مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ قُرْب تَجَاوُر الْكَلِمَتَيْنِ مُغْنِيًا عَنْ تَكْرَاره كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : كَأَنَّكَ مِنْ جِمَال بَنِي أُقَيْشٍ يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ يُرِيد كَأَنَّكَ مِنْ جِمَال بَنِي أُقَيْش جَمَل يُقَعْقَع خَلْف رِجْلَيْهِ بِشَنِّ , فَاكْتَفَى بِمَا ظَهَرَ مِنْ ذِكْر الْجِمَال الدَّالّ عَلَى الْمَحْذُوف مِنْ إِظْهَار مَا حَذَفَ . وَكَمَا قَالَ الْفَرَزْدَق بْن غَالِب : تَرَى أَرْبَاقَهُمْ مُتَقَلِّدِيهَا إِذَا صَدِئَ الْحَدِيدُ عَلَى الْكَمَاةِ يُرِيد : مُتَقَلِّدِيهَا هُمْ , فَحَذَفَ " هُمْ " إِذْ كَانَ الظَّاهِر مِنْ قَوْله : " وَأَرْبَاقهمْ " دَالًّا عَلَيْهَا . وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ مِنْ شِعْر الْعَرَب وَكَلَامهَا أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ }

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقُرَّاء مُجْمِعَة عَلَى قِرَاءَة " غَيْر " بِجَرِّ الرَّاء مِنْهَا. وَالْخَفْض يَأْتِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون غَيْر صِفَة لِلَّذِينَ وَنَعْتًا لَهُمْ فَتَخْفِضهَا , إِذْ كَانَ " الَّذِينَ " خَفْضًا وَهِيَ لَهُمْ نَعْت وَصِفَة ; وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يَكُون " غَيْر " نَعْتًا لِ " الَّذِينَ " , و " الَّذِينَ " مَعْرِفَة وَغَيْر نَكِرَة ; لِأَنَّ " الَّذِينَ " بِصِلَتِهَا لَيْسَتْ بِالْمَعْرِفَةِ الْمُؤَقَّتَة كَالْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ أَمَارَات بَيْن النَّاس , مِثْل : زَيْد وَعَمْرو , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ; وَإِنَّمَا هِيَ كَالنَّكِرَاتِ الْمَجْهُولَات , مِثْل : الرَّجُل وَالْبَعِير , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ; فَمَا كَانَ " الَّذِينَ " كَذَلِكَ صِفَتهَا , وَكَانَتْ غَيْر مُضَافَة إِلَى مَجْهُول مِنْ الْأَسْمَاء نَظِير " الَّذِينَ " فِي أَنَّهُ مَعْرِفَة غَيْر مُوَقَّتَة كَمَا " الَّذِينَ " مَعْرِفَة غَيْر مُؤَقَّتَة , جَازَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ أَنْ يَكُون : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } نَعْتًا لِ { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } كَمَا يُقَال : لَا أَجْلِس إِلَّا إِلَى الْعَالِم غَيْر الْجَاهِل , يُرَاد : لَا أَجْلِس إِلَّا إِلَى مَنْ يَعْلَم , لَا إِلَى مَنْ يَجْهَل . وَلَوْ كَانَ { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } مَعْرِفَة مُوَقَّتَة كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } لَهَا نَعْتًا , وَذَلِكَ أَنَّهُ خَطَأ فِي كَلَام الْعَرَب إِذَا وَصَفْت مَعْرِفَة مُؤَقَّتَة بِنَكِرَةٍ أَنْ تُلْزِم نَعْتهَا النَّكِرَة إِعْرَاب الْمَعْرِفَة الْمَنْعُوت بِهَا , إِلَّا عَلَى نِيَّة تَكْرِير مَا أُعْرِبَ الْمُنْعَت بِهَا . خَطَأ فِي كَلَامهمْ أَنْ يُقَال : مَرَرْت بِعَبْدِ اللَّه غَيْر الْعَالِم , فَتَخْفِض " غَيْر " إِلَّا عَلَى نِيَّة تَكْرِير الْبَاء الَّتِي أَعْرَبْت عَبْد اللَّه , فَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ قِيلَ كَذَلِكَ : مَرَرْت بِعَبْدِ اللَّه , مَرَرْت بِغَيْرِ الْعَالِم . فَهَذَا أَحَد وَجْهَيْ الْخَفْض فِي : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } وَالْوَجْه الْآخَر مِنْ وَجْهَيْ الْخَفْض فِيهَا أَنْ يَكُون " الَّذِينَ " بِمَعْنَى الْمَعْرِفَة الْمُؤَقَّتَة. وَإِذَا وُجِّهَ إِلَى ذَلِكَ , كَانَتْ غَيْر مَخْفُوضَة بِنِيَّةِ تَكْرِير الصِّرَاط الَّذِي خَفَضَ الَّذِينَ عَلَيْهَا , فَكَأَنَّك قُلْت : صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ صِرَاط غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ . وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِي غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ , وَإِنْ اِخْتَلَفَا بِاخْتِلَافِ مُعْرِبِيهِمَا , فَإِنَّهُمَا يَتَقَارَب مَعْنَاهُمَا ; مِنْ أَجْل أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ فَهَدَاهُ لِدِينِهِ الْحَقّ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ غَضَب رَبّه وَنَجَا مِنْ الضَّلَال فِي دِينه , فَسَوَاء - إِذْ كَانَ سَامِع قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } غَيْر جَائِز أَنْ يَرْتَاب مَعَ سَمَاعه ذَلِكَ مِنْ تَالِيه فِي أَنَّ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ لِلصِّرَاطِ , غَيْر غَاضِب رَبّهمْ عَلَيْهِمْ مَعَ النِّعْمَة الَّتِي قَدْ عَظُمَتْ مِنَّته بِهَا عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ , وَلَا أَنْ يَكُونُوا ضُلَّالًا وَقَدْ هَدَاهُمْ لِلْحَقِّ رَبّهمْ , إِذْ كَانَ مُسْتَحِيلًا فِي فِطَرهمْ اِجْتِمَاع الرِّضَا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ شَخْص وَالْغَضَب عَلَيْهِ فِي حَال وَاحِدَة وَاجْتِمَاع الْهُدَى وَالضَّلَال لَهُ فِي وَقْت وَاحِد - أَوُصِفَ الْقَوْم مَعَ وَصْف اللَّه إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ تَوْفِيقه إِيَّاهُمْ وَهِدَايَته لَهُمْ وَإِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ بِأَنَّهُمْ غَيْر مَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ ضَالُّونَ , أَمْ لَمْ يُوصَفُوا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الصِّفَة الظَّاهِرَة الَّتِي وُصِفُوا بِهَا قَدْ أَنْبَأَتْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّح وَصْفهمْ بِهِ. هَذَا إِذَا وَجَّهْنَا " غَيْر " إِلَى أَنَّهَا مَخْفُوضَة عَلَى نِيَّة تَكْرِير الصِّرَاط الْخَافِض الَّذِينَ , وَلَمْ نَجْعَل { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } مِنْ صِفَة { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } بَلْ إِذَا حَمَّلْنَاهُمْ غَيْرهمْ ; وَإِنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ لَا شَكَّ مُنْعَمًا عَلَيْهِمَا فِي أَدْيَانهمْ . فَأَمَّا إِذَا وَجَّهْنَا : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } إِلَى أَنَّهَا مِنْ نِعْمَة { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } فَلَا حَاجَة بِسَامِعِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَال , إِذْ كَانَ الصَّرِيح مِنْ مَعْنَاهُ قَدْ أَغْنَى عَنْ الدَّلِيل , وَقَدْ يَجُوز نَصْب " غَيْر " فِي { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } وَإِنْ كُنْت لِلْقِرَاءَةِ بِهَا كَارِهًا لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء . وَإِنَّ مَا شَذَّ مِنْ الْقِرَاءَات عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الْأُمَّة نَقْلًا ظَاهِرًا مُسْتَفِيضًا , فَرَأْي لِلْحَقِّ مُخَالِف وَعَنْ سَبِيل اللَّه وَسَبِيل رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبِيل الْمُسْلِمِينَ مُتَجَانِف , وَإِنْ كَانَ لَهُ -لَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة جَائِزَة بِهِ - فِي الصَّوَاب مَخْرَج . وَتَأْوِيل وَجْه صَوَابه إِذَا نَصَبْت : أَنْ يُوَجَّه إِلَى أَنْ يَكُون صِفَة لِلْهَاءِ وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي " عَلَيْهِمْ " الْعَائِدَة عَلَى " الَّذِينَ " , لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَخْفُوضَة ب " عَلَى " , فَهِيَ فِي مَحَلّ نَصْب بِقُولِهِ : " أَنْعَمْت ". فَكَأَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام إِذَا نَصَبْت " غَيْر " الَّتِي مَعَ " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " : صِرَاط الَّذِينَ هَدَيْتهمْ إِنْعَامًا مِنْك عَلَيْهِمْ غَيْر مَغْضُوب عَلَيْهِمْ , أَيْ لَا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ وَلَا ضَالِّينَ . فَيَكُون النَّصْب فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ كَالنَّصْبِ فِي " غَيْر " فِي قَوْلك : مَرَرْت بِعَبْدِ اللَّه غَيْر الْكَرِيم وَلَا الرَّشِيد , فَتَقْطَع غَيْر الْكَرِيم مِنْ عَبْد اللَّه , إِذْ كَانَ عَبْد اللَّه مَعْرِفَة مُؤَقَّتَة وَغَيْر الْكَرِيم نَكِرَة مَجْهُولَة . وَقَدْ كَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ يَزْعُم أَنَّ قِرَاءَة مَنْ نَصَبَ " غَيْر " فِي { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } عَلَى وَجْه اِسْتِثْنَاء { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } مِنْ مَعَانِي صِفَة { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } كَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَعْنَى الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ نَصْبًا : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ إِلَّا الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ الَّذِينَ لَمْ تُنْعِم عَلَيْهِمْ فِي أَدْيَانهمْ وَلَمْ تَهْدِهِمْ لِلْحَقِّ , فَلَا تَجْعَلْنَا مِنْهُمْ ; كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : وَقَفْت فِيهَا أُصَيْلَالًا أُسَائِلُهَا أَعْيَتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ إِلَّا أَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ وَالْأَوَارِي مَعْلُوم أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِدَاد أَحَد فِي شَيْء . فَكَذَلِكَ عِنْده اِسْتَثْنَى { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } مِنْ { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ مَعَانِيهمْ فِي الدِّين فِي شَيْء . وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفِيِّينَ فَأَنْكَرُوا هَذَا التَّأْوِيل وَاسْتَخْطَئُوهُ , وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الزَّاعِم مِنْ أَهْل الْبَصْرَة لَكَانَ خَطَأ أَنْ يُقَال : { وَلَا الضَّالِّينَ } لِأَنَّ " لَا " نَفْي وَجَحْد , وَلَا يُعْطَف بِجَحْدٍ إِلَّا عَلَى جَحْد ; وَقَالُوا : لَمْ نَجِد فِي شَيْء مِنْ كَلَام الْعَرَب اِسْتِثْنَاء يُعْطَف عَلَيْهِ بِجَحْدٍ , وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُمْ يَعْطِفُونَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء بِالِاسْتِثْنَاءِ , وَبِالْجَحْدِ عَلَى الْجَحْد فَيَقُولُونَ فِي الِاسْتِثْنَاء : قَامَ الْقَوْم إِلَّا أَخَاك وَإِلَّا أَبَاك ; وَفِي الْجَحْد : مَا قَامَ أَخُوك , وَلَا أَبُوك ; وَأَمَّا قَامَ الْقَوْم إِلَّا أَبَاك وَلَا أَخَاك , فَلَمْ نَجِدهُ فِي كَلَام الْعَرَب ; قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَعْدُومًا فِي كَلَام الْعَرَب وَكَانَ الْقُرْآن بِأَفْصَح لِسَان الْعَرَب نُزُوله , عَلِمْنَا إِذْ كَانَ قَوْله : { وَلَا الضَّالِّينَ } مَعْطُوفًا عَلَى قَوْله : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } أَنَّ " غَيْر " بِمَعْنَى الْجَحْد لَا بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء , وَأَنَّ تَأْوِيل مَنْ وَجَّهَهَا إِلَى الِاسْتِثْنَاء خَطَأ . فَهَذِهِ أَوْجُه تَأْوِيل { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } . بِاخْتِلَافِ أَوْجُه إِعْرَاب ذَلِكَ . وَإِنَّمَا اِعْتَرَضْنَا بِمَا اِعْتَرَضْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ بَيَان وُجُوه إِعْرَابه , وَإِنْ كَانَ قَصْدنَا فِي هَذَا الْكِتَاب الْكَشْف عَنْ تَأْوِيل آيِ الْقُرْآن , لِمَا فِي اِخْتِلَاف وُجُوه إِعْرَاب ذَلِكَ مِنْ اِخْتِلَاف وُجُوه تَأْوِيله , فَاضْطَرَّتْنَا الْحَاجَة إِلَى كَشْفِ وُجُوه إِعْرَابه , لِتَنْكَشِف لِطَالِبِ تَأْوِيله وُجُوه تَأْوِيله عَلَى قَدْر اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفَة فِي تَأْوِيله وَقِرَاءَته . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيله وَقِرَاءَته عِنْدنَا الْقَوْل الْأَوَّل , وَهُوَ قِرَاءَة : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } بِخَفْضِ الرَّاء مِنْ " غَيْر " بِتَأْوِيلِ أَنَّهَا صِفَة لِ { الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ } وَنَعْت لَهُمْ ; لِمَا قَدْ قَدَّمْنَا مِنْ الْبَيَان إِنْ شِئْت , وَإِنْ شِئْت فَبِتَأْوِيلِ تَكْرَار وَصِرَاط " كُلّ ذَلِكَ صَوَاب حَسَن . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَمَنْ هَؤُلَاءِ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَسْأَلَتِهِ أَنْ لَا يَجْعَلنَا مِنْهُمْ ؟ قِيلَ : هُمْ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تَنْزِيله فَقَالَ : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَعَبَدَ الطَّاغُوت أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل } 5 60 فَأَعْلَمَنَا جَلَّ ذِكْرُهُ بِمَنِّهِ مَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ , ثُمَّ عَلِمْنَا , مِنْهُ مَنَّهُ عَلَيْنَا , وَجْه السَّبِيل إِلَى النَّجَاة , مِنْ أَنْ يَحِلّ بِنَا مِثْل الَّذِي حَلَّ بِهِمْ مِنْ الْمَثُلَات , وَرَأْفَة مِنْهُ بِنَا . فَإِنْ قِيلَ : وَمَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُمْ أُولَاء الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه وَذَكَر نَبَأَهُمْ فِي تَنْزِيله عَلَى مَا وَصَفْت ؟ قِيلَ : 163 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْوَلِيد الرَّمْلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر الرَّقِّيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ : الْيَهُود . * - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : سَمِعْت عَبَّاد بْن حُبَيْش يُحَدِّث عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ : الْيَهُود ". * - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُرِّيّ بْن قَطَرِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } قَالَ : " هُمْ الْيَهُود " . 164 -وَحَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة الشَّامِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق : أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِر وَادِي الْقُرَى فَقَالَ : مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُحَاصِر يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " هَؤُلَاءِ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ : الْيَهُود " . * - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوه. 165 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ بُدَيْل الْعُقَيْلِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن شَقِيق أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى وَهُوَ عَلَى فَرَسه وَسَأَلَهُ رَجُل مِنْ بَنِي الْقَيْن , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " وَأَشَارَ إِلَى الْيَهُود . * - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْوَاسِطِيّ , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه 166 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } يَعْنِي الْيَهُود الَّذِينَ غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ . 167 -وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } هُمْ الْيَهُود . 168 -وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } قَالَ : هُمْ الْيَهُود . 169 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ رَبِيع : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْيَهُود . 170 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْيَهُود . 171 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب . قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } الْيَهُود . 172 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي اِبْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : { الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ } الْيَهُود. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاخْتُلِفَ فِي صِفَة الْغَضَب مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره ; فَقَالَ بَعْضهمْ : غَضَب اللَّه عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه إِحْلَال عُقُوبَته بِمَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ , إِمَّا فِي دُنْيَاهُ , وَإِمَّا فِي آخِرَته , كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه جَلَّ ذِكْرُهُ فِي كِتَابه فَقَالَ : { فَلَمَّا آسَفُونَا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } 43 55 وَكَمَا قَالَ : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه مَنْ لَعَنَهُ اللَّه وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير } وَقَالَ بَعْضهمْ : غَضَبُ اللَّه عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَاده ذَمّ مِنْهُ لَهُمْ وَلِأَفْعَالِهِمْ , وَشَتْم مِنْهُ لَهُمْ بِالْقَوْلِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْغَضَب مِنْهُ مَعْنَى مَفْهُوم , كَاَلَّذِي يُعْرَف مِنْ مَعَانِي الْغَضَب . غَيْر أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَة الْإِثْبَات , فَمُخَالِف مَعْنَاهُ مِنْهُ مَعْنَى مَا يَكُون مِنْ غَضَب الْآدَمِيِّينَ الَّذِينَ يُزْعِجُهُمْ وَيُحَرِّكهُمْ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَيُؤْذِيهِمْ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا تَحِلّ ذَاته الْآفَات , وَلَكِنَّهُ لَهُ صِفَة كَمَا الْعِلْم لَهُ صِفَة , وَالْقُدْرَة لَهُ صِفَة عَلَى مَا يُعْقَل مِنْ جِهَة الْإِثْبَات , وَإِنْ خَالَفَتْ مَعَانِي ذَلِكَ مَعَانِي عُلُوم الْعِبَاد الَّتِي هِيَ مَعَارِف الْقُلُوب وَقُوَاهُمْ الَّتِي تُوجَد مَعَ وُجُود الْأَفْعَال وَتُعْدَم مَعَ عَدَمهَا .

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : كَانَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة يَزْعُم أَنَّ " لَا " مَعَ " الضَّالِّينَ " أُدْخِلَتْ تَتْمِيمًا لِلْكَلَامِ وَالْمَعْنَى إِلْغَاؤُهَا , وَيَسْتَشْهِد عَلَى قِيله ذَلِكَ بِبَيْتِ الْعَجَّاج : فِي بِئْرٍ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ وَيَتَأَوَّلهُ بِمَعْنَى : فِي بِئْر حُور سَرَى , أَيْ فِي بِئْر هَلَكَة , وَأَنَّ " لَا " بِمَعْنَى الْإِلْغَاء وَالصِّلَة . وَيَعْتَلّ أَيْضًا لِذَلِكَ بِقَوْلِ أَبِي النَّجْم : فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَنْ لَا تَسْخَرَا لَمَّا رَأَيْنَ الشَّمَطَ الْقَفَنْدَرَا وَهُوَ يُرِيد : فَمَا أَلُوم الْبِيض أَنْ تَسْخَر وَبِقَوْلِ الْأَحْوَص : وَيَلْحَيْنَنِي فِي اللَّهْوِ أَنْ لَا أُحِبَّهُ وَلِلَّهْوِ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ يُرِيد : وَيَلْحَيْنَنِي فِي اللَّهْو أَنْ أُحِبَّهُ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد } 7 12 يُرِيد أَنْ تَسْجُد . وَحُكِيَ عَنْ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل " غَيْر " الَّتِي " مَعَ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " أَنَّهَا بِمَعْنَى " سِوَى " , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام كَانَ عِنْده : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ الَّذِينَ هُمْ سِوَى الْمَغْضُوب وَالضَّالِّينَ . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَسْتَنْكِر ذَلِكَ مِنْ قَوْله , وَيَزْعُم أَنَّ " غَيْر " الَّتِي " مَعَ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى " سِوَى " لَكَانَ خَطَأ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهَا ب " لَا " , إِذْ كَانَتْ " لَا " لَا يُعْطَفُ بِهَا إِلَّا عَلَى جَحْد قَدْ تَقَدَّمَهَا. كَمَا كَانَ خَطَأ قَوْل الْقَائِل : عِنْدِي سِوَى أَخِيك , وَلَا أَبِيك ; لِأَنَّ " سِوَى " لَيْسَتْ مِنْ حُرُوف النَّفْي وَالْجُحُود ; وَيَقُول : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَطَأ فِي كَلَام الْعَرَب , وَكَانَ الْقُرْآن بِأَفْصَح اللُّغَات مِنْ لُغَات الْعَرَب. كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي زَعَمَهُ الْقَائِل أَنَّ " غَيْر مَعَ الْمَغْضُوب " عَلَيْهِمْ بِمَعْنَى : " سِوَى الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " خَطَأ , إِذْ كَانَ قَدْ كَرَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ب " لَا " . وَكَانَ يَزْعُم أَنَّ " غَيْر " هُنَالِكَ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْجَحْد . إِذْ كَانَ صَحِيحًا فِي كَلَام الْعَرَب وَفَاشِيًّا ظَاهِرًا فِي مَنْطِقهَا تَوْجِيه " غَيْر " إِلَى مَعْنَى النَّفْي وَمُسْتَعْمَلًا فِيهِمْ : أَخُوك غَيْر مُحْسِن وَلَا مُجْمِل , يُرَاد بِذَلِكَ أَخُوك لَا مُحْسِن , وَلَا مُجْمِل , وَيَسْتَنْكِر أَنْ تَأْتِي " لَا " بِمَعْنَى الْحَذْف فِي الْكَلَام مُبْتَدَأ وَلَمَّا يَتَقَدَّمهَا جَحْد , وَيَقُول : لَوْ جَازَ مَجِيئُهَا بِمَعْنَى الْحَذْف مُبْتَدَأ قَبْل دَلَالَة تَدُلّ , عَلَى ذَلِكَ مِنْ جَحْد سَابِق , لَصَحَّ قَوْل قَائِل قَالَ : أَرَدْت أَنْ لَا أُكْرِمَ أَخَاك , بِمَعْنَى : أَرَدْت أَنْ أُكْرِمَ أَخَاك . وَكَانَ يَقُول : فَفِي شَهَادَة أَهْل الْمَعْرِفَة بِلِسَانِ الْعَرَب عَلَى تَخْطِئَة قَائِل ذَلِكَ دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ " لَا " تَأْتِي مُبْتَدَأَة بِمَعْنَى الْحَذْف , وَلَمَّا يَتَقَدَّمهَا جَحْد. وَكَانَ يَتَأَوَّلهُ فِي " لَا " الَّتِي فِي بَيْت الْعَجَّاج الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَصْرِيّ اِسْتَشْهَدَ بِهِ بِقَوْلِهِ إِنَّهَا جَحْد صَحِيح , وَأَنَّ مَعْنَى الْبَيْت : سَرَى فِي بِئْر لَا تُحِيرُ عَلَيْهِ خَيْرًا , وَلَا يَتَبَيَّن لَهُ فِيهَا أَثَر عَمَل , وَهُوَ لَا يَشْعُر بِذَلِكَ وَلَا يَدْرِي بِهِ. مِنْ قَوْلهمْ : طَحَنَتْ الطَّاحِنَة فَمَا أَحَارَتْ شَيْئًا ; أَيْ لَمْ يَتَبَيَّن لَهَا أَثَر عَمَل. وَيَقُول فِي سَائِر الْأَبْيَات الْأُخَر , أَعْنِي مِثْل بَيْت أَبِي النَّجْم : فَمَا أَلُوم الْبِيض أَنْ لَا تَسْخَرَا إِنَّمَا جَازَ أَنْ تَكُون " لَا " بِمَعْنَى الْحَذْف , لِأَنَّ الْجَحْد قَدْ تَقَدَّمَهَا فِي أَوَّل الْكَلَام , فَكَانَ الْكَلَام الْآخَر مُوَاصِلًا لِلْأَوَّلِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ فَجَازَ ذَلِكَ , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْجَحْد فِي أَوَّل الْكَلَام. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الْآخِر أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْأَوَّل , إِذْ كَانَ غَيْر مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب اِبْتِدَاء الْكَلَام مِنْ غَيْر جَحْد تَقَدَّمَهُ ب " لَا " الَّتِي مَعْنَاهَا الْحَذْف , وَلَا جَائِز الْعَطْف بِهَا عَلَى " سِوَى " , وَلَا عَلَى حَرْف الِاسْتِثْنَاء . وَإِنَّمَا ل " غَيْر " فِي كَلَام الْعَرَب مَعَانٍ ثَلَاثَة : أَحَدهَا الِاسْتِثْنَاء , وَالْآخَر الْجَحْد , وَالثَّالِث سِوَى , فَإِذَا ثَبَتَ خَطَأ " لَا " أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْإِلْغَاء مُبْتَدَأ وَفَسَدَ أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى " غَيْر " الَّتِي مَعَ " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " , لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى " إِلَّا " الَّتِي هِيَ اِسْتِثْنَاء , وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى " سِوَى " , وَكَانَتْ " لَا " مَوْجُودَة عَطْفًا بِالْوَاوِ الَّتِي هِيَ عَاطِفَة لَهَا عَلَى مَا قَبْلهَا , صَحَّ وَثَبَتَ أَنْ لَا وَجْه لِ " غَيْر " الَّتِي مَعَ " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " يَجُوز تَوْجِيههَا إِلَيْهِ عَلَى صِحَّة إِلَّا بِمَعْنَى الْجَحْد وَالنَّفْي , وَأَنْ لَا وَجْه لِقَوْلِهِ : " وَلَا الضَّالِّينَ " , إِلَّا الْعَطْف عَلَى " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا إِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِاَلَّذِي عَلَيْهِ اِسْتَشْهَدْنَا : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ لَا الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَنْ هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللَّه بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ أَنْ يَسْلُك بِنَا سَبِيلهمْ , أَوْ نَضِلّ ضَلَالهمْ ؟ قِيلَ : هُمْ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه فِي تَنْزِيله , فَقَالَ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ غَيْر الْحَقّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } 5 77 فَإِنْ قَالَ : وَمَا بُرْهَانك عَلَى أَنَّهُمْ أُولَاء ؟ قِيلَ : 173 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الرَّمْلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن أَبِي حَاتِم , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : " النَّصَارَى " * -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , أَنْبَأَنَا شُعْبَة عَنْ سِمَاك , قَالَ : سَمِعْت عَبَّاد بْن حُبَيْش يُحَدِّث عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الضَّالِّينَ : النَّصَارَى " . * - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُرِّيّ بْن قَطَرِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه { وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : " النَّصَارَى هُمْ الضَّالُّونَ " . 174 -وَحَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة الشَّامِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق : أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِر وَادِي الْقُرَى قَالَ : قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ : النَّصَارَى " . * - وَحَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , يَعْنِي ابْن عَبْد اللَّه بْن قَيْس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ بُدَيْل الْعُقَيْلِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى وَهُوَ عَلَى فَرَسه وَسَأَلَهُ رَجُل مِنْ بَنِي الْقَيْن فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ " , يَعْنِي النَّصَارَى . * - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْوَاسِطِيّ , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مُحَاصِر وَادِي الْقُرَى وَهُوَ عَلَى فَرَس مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : " الضَّالُّونَ " يَعْنِي النَّصَارَى . 175 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : النَّصَارَى . 176 -وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : وَغَيْر طَرِيق النَّصَارَى الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ اللَّه بِفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ . قَالَ : يَقُول : فَأَلْهِمْنَا دِينك الْحَقّ , وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , حَتَّى لَا تَغْضَب عَلَيْنَا كَمَا غَضِبْت عَلَى الْيَهُود وَلَا تُضِلّنَا كَمَا أَضْلَلْت النَّصَارَى فَتُعَذِّبنَا بِمَا تُعَذِّبهُمْ بِهِ. يَقُول اِمْنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ بِرِفْقِك وَرَحْمَتك وَقُدْرَتك . 177 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس الضَّالِّينَ : النَّصَارَى . 178 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُحَمَّد الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا الضَّالِّينَ : هُمْ النَّصَارَى . 179 - وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ رَبِيع : وَلَا الضَّالِّينَ : النَّصَارَى . 180 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : { وَلَا الضَّالِّينَ } النَّصَارَى . 181 -وَحَدَّثَنَا يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ . قَالَ : { وَلَا الضَّالِّينَ } النَّصَارَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكُلُّ حَائِد عَنْ قَصْد السَّبِيل وَسَالِك غَيْر الْمَنْهَج الْقَوِيم فَضَالٌّ عِنْد الْعَرَب لِإِضْلَالِهِ وَجْه الطَّرِيق , فَلِذَلِكَ سَمَّى اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ النَّصَارَى ضُلَّالًا لِخَطَئِهِمْ فِي الْحَقّ مَنْهَجَ السَّبِيل , وَأَخْذِهِمْ مِنْ الدِّين فِي غَيْر الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ صِفَة الْيَهُود ؟ قِيلَ : بَلَى. فَإِنْ قَالَ : كَيْف خَصَّ النَّصَارَى بِهَذِهِ الصِّفَة , وَخَصَّ الْيَهُود بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ مَغْضُوب عَلَيْهِمْ ؟ قِيلَ : إِنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ ضُلَّالٌ مَغْضُوب عَلَيْهِمْ , غَيْر أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَسَمَ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ مِنْ صِفَته لِعِبَادِهِ بِمَا يَعْرِفُونَهُ بِهِ إِذَا ذَكَرَهُ لَهُمْ , أَوْ أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ , وَلَمْ يَسِم وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بِمَا هُوَ لَهُ صِفَة عَلَى حَقِيقَته , وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ صِفَات الذَّمّ زِيَادَات عَلَيْهِ. وَقَدْ ظَنَّ بَعْض أَهْل الْغَبَاء مِنْ الْقَدَرِيَّة أَنَّ فِي وَصْف اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ النَّصَارَى بِالضَّلَالِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الضَّالِّينَ } وَإِضَافَته الضَّلَال إِلَيْهِمْ دُون إِضَافَة إِضْلَالهمْ إِلَى نَفْسه , وَتَرْكه وَصْفهمْ بِأَنَّهُمْ الْمُضَلَّلُونَ كَاَلَّذِي وَصَفَ بِهِ الْيَهُود أَنَّهُمْ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ , دَلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قَالَهُ إِخْوَانه مِنْ جَهَلَة الْقَدَرِيَّة جَهْلًا مِنْهُ بِسَعَةِ كَلَام الْعَرَب وَتَصَارِيف وُجُوهه . وَلَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا ظَنَّهُ الْغَبِيّ الَّذِي وَصَفْنَا شَأْنه لَوَجَبَ أَنْ يَكُون شَأْن كُلّ مَوْصُوف بِصِفَةٍ أَوْ مُضَاف إِلَيْهِ فِعْل لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهِ سَبَب لِغَيْرِهِ , وَأَنْ يَكُون كُلّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ سَبَب فَالْحَقّ فِيهِ أَنْ يَكُون مُضَافًا إِلَى مُسَبَّبه , وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون خَطَأ قَوْل الْقَائِل : " تَحَرَّكَتْ الشَّجَرَة " إِذَا حَرَّكَتْهَا الرِّيَاح , و " اِضْطَرَبَتْ الْأَرْض " إِذَا حَرَّكَتْهَا الزَّلْزَلَة , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي يَطُول بِإِحْصَائِهِ الْكِتَاب . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ } 10 22 بِإِضَافَتِهِ الْجَرْي إِلَى الْفُلْك , وَإِنْ كَانَ جَرْيهَا بِإِجْرَاءِ غَيْرهَا إِيَّاهَا , مَا يَدُلّ عَلَى خَطَأ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ وَصَفْنَا قَوْله فِي قَوْله : { وَلَا الضَّالِّينَ } وَادِّعَائِهِ أَنَّ فِي نِسْبَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الضَّلَالَة إِلَى مَنْ نَسَبَهَا إِلَيْهِ مِنْ النَّصَارَى تَصْحِيحًا لِمَا اِدَّعَى الْمُنْكِرُونَ أَنْ يَكُون لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَفْعَال خَلْقه سَبَب مِنْ أَجْله وُجِدَتْ أَفْعَالهمْ , مَعَ إِبَانَة اللَّه عَزَّ ذِكْره نَصًّا فِي آي كَثِيرَة مِنْ تَنْزِيله أَنَّهُ الْمُضِلّ الْهَادِي ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَفَرَأَيْت مَنْ اِتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّه عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعه وَقَلْبه وَجَعَلَ عَلَى بَصَره غِشَاوَة فَمَنْ يَهْدِيه مِنْ بَعْد اللَّه أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } 45 23 فَأَنْبَأَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ الْمُضِلّ الْهَادِي دُون غَيْره. وَلَكِنَّ الْقُرْآن نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَب , عَلَى مَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهُ فِي أَوَّل الْكِتَاب . وَمِنْ شَأْن الْعَرَب إِضَافَة الْفِعْل إِلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ , وَإِنْ كَانَ مُسَبِّبه غَيْر الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ أَحْيَانًا , وَأَحْيَانًا إِلَى مُسَبِّبه , وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الْفِعْل غَيْره. فَكَيْف بِالْفِعْلِ الَّذِي يَكْتَسِبهُ الْعَبْد كَسْبًا وَيُوجِدهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَيْنًا مُنْشَأَة ؟ بَلْ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُضَاف إِلَى مُكْتَسِبه كَسْبًا لَهُ بِالْقُوَّةِ مِنْهُ عَلَيْهِ وَالِاخْتِيَار مِنْهُ لَهُ , وَإِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِيجَادِ عَيْنه وَإِنْشَائِهَا تَدْبِيرًا . مَسْأَلَةٌ يَسْأَلُ عَنْهَا أَهْلُ الْإِلْحَادِ الطَّاعِنُونَ فِي الْقُرْآن إِنْ سَأَلَنَا مِنْهُمْ سَائِل فَقَالَ : إِنَّك قَدْ قَدَّمْت فِي أَوَّل كِتَابك هَذَا فِي وَصْف الْبَيَان بِأَنَّ أَعْلَاهُ دَرَجَة وَأَشْرَفَهُ مَرْتَبَة , أَبْلَغه فِي الْإِبَانَة عَنْ حَاجَة الْمُبِين بِهِ عَنْ نَفْسه وَأَبَيْنَهُ عَنْ مُرَاد قَائِله وَأَقْرَبه مِنْ فَهْم سَامِعه , وَقُلْت مَعَ ذَلِكَ إِنَّ أَوْلَى الْبَيَان بِأَنْ يَكُون كَذَلِكَ كَلَام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِفَضْلِهِ عَلَى سَائِر الْكَلَام وَبِارْتِفَاعِ دَرَجَته عَلَى أَعْلَى دَرَجَات الْبَيَان . فَمَا الْوَجْه إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فِي إِطَالَة الْكَلَام بِمِثْلِ سُورَة أُمّ الْقُرْآن بِسَبْعِ آيَات ؟ وَقَدْ حَوَتْ مَعَانِي جَمِيعهَا مِنْهَا آيَتَانِ , وَذَلِكَ قَوْله : { مَالِك يَوْم الدِّين إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } إِذْ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ عَرَفَ : { مَلِك يَوْم الدِّين } فَقَدْ عَرَفَهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاته الْمُثْلَى . وَأَنَّ مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا , فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لِسَبِيلِ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ فِي دِينه مُتَّبِع , وَعَنْ سَبِيل مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ وَضَلَّ مُنْعَدِل , فَمَا فِي زِيَادَة الْآيَات الْخَمْس الْبَاقِيَة مِنْ الْحِكْمَة الَّتِي لَمْ تَحْوِهَا الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَا ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ جَمَعَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابه مَعَانِي لَمْ يَجْمَعهُنَّ بِكِتَابٍ أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّ قَبْله وَلَا لِأُمَّةٍ مِنْ الْأُمَم قَبْلهمْ . وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ كِتَاب أَنْزَلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَى نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ قَبْله , فَإِنَّمَا أُنْزِلَ بِبَعْضِ الْمَعَانِي الَّتِي يَحْوِي جَمِيعهَا كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَالتَّوْرَاةِ الَّتِي هِيَ مَوَاعِظ وَتَفْصِيل , وَالزَّبُور الَّذِي هُوَ تَحْمِيد وَتَمْجِيد , وَالْإِنْجِيل الَّذِي هُوَ مَوَاعِظ وَتَذْكِير ; لَا مُعْجِزَة فِي وَاحِد مِنْهَا تَشْهَد لِمَنْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ بِالتَّصْدِيقِ. وَالْكِتَاب الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْوِي مَعَانِي ذَلِكَ كُلّه , وَيَزِيد عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي سَائِر الْكُتُب غَيْره مِنْهَا خَال , وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَاب . وَمِنْ أَشْرَف تِلْكَ الْمَعَانِي الَّتِي فَضَلَ بِهَا كِتَابنَا سَائِر الْكُتُب قَبْله : نَظْمه الْعَجِيب , وَرَصْفه الْغَرِيب , وَتَأْلِيفه الْبَدِيع , الَّذِي عَجَزَتْ عَنْ نَظْم مِثْل أَصْغَر سُورَة مِنْهُ الْخُطَبَاء , وَكَلَّتْ عَنْ وَصْف شَكْل بَعْضه الْبُلَغَاء , وَتَحَيَّرَتْ فِي تَأْلِيفه الشُّعَرَاء , وَتَبَلَّدَتْ قُصُورًا عَنْ أَنْ تَأْتِي بِمِثْلِهِ لَدَيْهِ أَفْهَام الْفُهَمَاء . فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا التَّسْلِيم , وَالْإِقْرَار بِأَنَّهُ مِنْ عِنْد الْوَاحِد الْقَهَّار , مَعَ مَا يَحْوِي مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ تَرْغِيب , وَتَرْهِيب , وَأَمْر , وَزَجْر , وَقَصَص , وَجَدَل , وَمَثَل , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَمْ تَجْتَمِع فِي كِتَاب أُنْزِلَ إِلَى الْأَرْض مِنْ السَّمَاء. فَمَهْمَا يَكُنْ فِيهِ مِنْ إِطَالَة عَلَى نَحْو مَا فِي أُمّ الْقُرْآن , فَلِمَا وَصَفْت قَبْل مِنْ أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَع - بِرَصْفِهِ الْعَجِيب , وَنَظْمه الْغَرِيب , الْمُنْعَدِل عَنْ أَوْزَان الْأَشْعَار , وَسَجْع الْكُهَّان , وَخُطَب الْخُطَبَاء , وَرَسَائِل الْبُلَغَاء , الْعَاجِز عَنْ وَصْف مِثْله جَمِيع الْأَنَام , وَعَنْ نَظْم نَظِيره كُلّ الْعِبَاد - الدَّلَالَة عَلَى نُبُوَّة نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَبِمَا فِيهِ مِنْ تَحْمِيد وَتَمْجِيد وَثَنَاء عَلَيْهِ , تَنْبِيه لِلْعِبَادِ عَلَى عَظَمَته وَسُلْطَانه وَقُدْرَته وَعِظَم مَمْلَكَته , لِيَذْكُرُوهُ بِآلَائِهِ وَيَحْمَدُوهُ عَلَى نَعْمَائِهِ , فَيَسْتَحِقُّوا بِهِ مِنْهُ الْمَزِيد وَيَسْتَوْجِبُوا عَلَيْهِ الثَّوَاب الْجَزِيل . وَبِمَا فِيهِ مِنْ نَعْت مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِهِ , وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِطَاعَتِهِ , تَعْرِيف عِبَاده أَنَّ كُلّ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَة فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ فَمِنْهُ , لِيَصْرِفُوا رَغْبَتهمْ إِلَيْهِ , وَيَبْتَغُوا حَاجَاتهمْ مِنْ عِنْده دُون مَا سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَبِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْره مَا أَحَلَّ بِمَنْ عَصَاهُ مِنْ مَثُلَاته , وَأَنْزَلَ بِمَنْ خَالَفَ أَمْره مِنْ عُقُوبَاته ; تَرْهِيب عِبَاده عَنْ رُكُوب مَعَاصِيه , وَالتَّعَرُّض لِمَا لَا قِبَل لَهُمْ بِهِ مِنْ سَخَطه , فَيَسْلُك بِهِمْ فِي النَّكَال وَالنِّقْمَات سَبِيل مَنْ رَكِبَ ذَلِكَ مِنْ الْهَلَاك. فَذَلِكَ وَجْه إِطَالَة الْبَيَان فِي سُورَة أُمّ الْقُرْآن , وَفِيمَا كَانَ نَظِيرًا لَهَا مِنْ سَائِر سُوَر الْفُرْقَان , وَذَلِكَ هُوَ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْحُجَّة الْكَامِلَة . 182 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب , عَنْ أَبِي السَّائِب مَوْلَى زُهْرَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَالَ الْعَبْد : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , قَالَ اللَّه : حَمِدَنِي عَبْدِي , وَإِذَا قَالَ : الرَّحْمَن الرَّحِيم , قَالَ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي , وَإِذَا قَالَ : مَالِك يَوْم الدِّين , قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي , فَهَذَا لِي . وَإِذَا قَالَ : إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين - إِلَى أَنْ يَخْتِم السُّورَة - قَالَ : فَذَاكَ لَهُ " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي السَّائِب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : إِذَا قَالَ الْعَبْد : الْحَمْد لِلَّهِ , فَذَكَرَ نَحْوه , وَلَمْ يَرْفَعهُ . * -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن كَثِير , قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن مَوْلَى الْحُرَقَة , عَنْ أَبِي السَّائِب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله. 183 - حَدَّثَنِي صَالِح بْن مِسْمَار الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب , قَالَ : حَدَّثَنَا عَنْبَسَة بْن سَعِيد , عَنْ مُطَرِّف بْن طَرِيف , عَنْ سَعْد بْن إِسْحَاق بْن كَعْب بْن عُجْرَة , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : قَسَمْت الصَّلَاة بَيْنِي وَبَيْن عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلَهُ مَا سَأَلَ , فَإِذَا قَالَ الْعَبْد : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , قَالَ اللَّه : حَمِدَنِي عَبْدِي , وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَن الرَّحِيم , قَالَ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي , وَإِذَا قَالَ : مَالِك يَوْم الدِّين , قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي , قَالَ : هَذَا لِي وَلَهُ مَا بَقِيَ " . آخِر تَفْسِير سُورَة


التفسير ابن كثير

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيث فِيمَا إِذَا قَالَ الْعَبْد" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " إِلَى آخِرهَا أَنَّ اللَّهَ يَقُول " هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " وَقَوْله تَعَالَى : " صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ " مُفَسِّر لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم وَهُوَ بَدَل مِنْهُ عِنْد النُّحَاة وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَطْف بَيَان وَاَللَّه أَعْلَم . وَاَلَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَة النِّسَاء حَيْثُ قَالَ تَعَالَى : " وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْل مِنْ اللَّه وَكَفَى بِاَللَّهِ عَلِيمًا" وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس " صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ " بِطَاعَتِك وَعِبَادَتك مِنْ مَلَائِكَتك وَأَنْبِيَائِك وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَذَلِكَ نَظِير مَا قَالَ رَبّنَا تَعَالَى : " وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ " الْآيَة . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس " صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ " قَالَ هُمْ النَّبِيُّونَ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْح عَنْ اِبْن عَبَّاس هُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَقَالَ وَكِيع هُمْ الْمُسْلِمُونَ وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم هُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ وَالتَّفْسِير الْمُتَقَدِّم عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَعَمّ وَأَشْمَل وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله تَعَالَى : " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " قَرَأَ الْجُمْهُور غَيْر بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْت قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال وَهِيَ قِرَاءَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَعُمَر بْن الْخَطَّاب وَرُوِيَتْ عَنْ اِبْن كَثِير وَذُو الْحَال الضَّمِير فِي عَلَيْهِمْ وَالْعَامِل أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَصْفهمْ وَنَعْتهمْ وَهُمْ أَهْل الْهِدَايَة وَالِاسْتِقَامَة وَالطَّاعَة لِلَّهِ وَرُسُله وَامْتِثَال أَوَامِره وَتَرْك نَوَاهِيه وَزَوَاجِره غَيْر صِرَاط الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ فَسَدَتْ إِرَادَتهمْ فَعَلِمُوا الْحَقّ وَعَدَلُوا عَنْهُ وَلَا صِرَاط الضَّالِّينَ وَهُمْ الَّذِينَ فَقَدُوا الْعِلْم فَهُمْ هَائِمُونَ فِي الضَّلَالَة لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقّ. وَأَكَّدَ الْكَلَامَ بِلَا لِيَدُلّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَسْلَكَيْنِ قَاصِدَيْنِ وَهُمَا طَرِيقَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَدْ زَعَمَ بَعْض النُّحَاة أَنَّ غَيْر هَهُنَا اِسْتِثْنَائِيَّة فَيَكُون عَلَى هَذَا مُنْقَطِعًا لِاسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ الْمُنْعَم عَلَيْهِمْ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ وَمَا أَوْرَدْنَاهُ أَوْلَى لِقَوْلِ الشَّاعِر : كَأَنَّك مِنْ جِمَال بَنِي أُقَيْشٍ يُقَعْقَع عِنْد رِجْلَيْهِ بِشَنِّ أَيْ كَأَنَّك جَمَل مِنْ جِمَال بَنِي أُقَيْشٍ فَحَذَفَ الْمَوْصُوف وَاكْتَفَى بِالصِّفَةِ وَهَكَذَا غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ أَيْ غَيْر صِرَاط الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ اِكْتَفَى بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ عَنْ ذِكْر الْمُضَاف وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام وَهُوَ قَوْله تَعَالَى" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ" ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَا فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَا الضَّالِّينَ " زَائِدَة وَأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَام عِنْدَهُ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ مِعْجَاج : فِي بِئْر لَا حُور سَرَى وَمَا شَعَرْ أَيْ فِي بِئْر حُور وَالصَّحِيح مَا قَدَّمْنَاهُ وَلِهَذَا رَوَى أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام فِي كِتَاب فَضَائِل الْقُرْآن عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَغَيْر الضَّالِّينَ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْه التَّفْسِير . فَيَدُلّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا جِيءَ لِتَأْكِيدِ النَّفْي لِئَلَّا يُتَوَهَّم أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ وَالْفَرْق بَيْن الطَّرِيقَتَيْنِ لِيُجْتَنَب كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّ طَرِيقَة أَهْل الْإِيمَان مُشْتَمِلَة عَلَى الْعِلْم بِالْحَقِّ وَالْعَمَل بِهِ وَالْيَهُود فَقَدُوا الْعَمَل وَالنَّصَارَى فَقَدُوا الْعِلْم وَلِهَذَا كَانَ الْغَضَب لِلْيَهُودِ وَالضَّلَال لِلنَّصَارَى لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ وَتَرَكَ اِسْتَحَقَّ الْغَضَب بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْلَم وَالنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا قَاصِدِينَ شَيْئًا لَكِنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى طَرِيقَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا الْأَمْر مِنْ بَابه وَهُوَ اِتِّبَاع الْحَقّ ضَلُّوا , وَكُلّ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَّارِي ضَالّ مَغْضُوب عَلَيْهِ لَكِنْ أَخَصّ أَوْصَاف الْيَهُود الْغَضَب كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ " مَنْ لَعَنَهُ اللَّه وَغَضِبَ عَلَيْهِ " وَأَخَصّ أَوْصَاف النَّصَارَى الضَّلَال كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ " قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل " وَبِهَذَا جَاءَتْ الْأَحَادِيث وَالْآثَار وَذَلِكَ وَاضِح بَيِّنٌ فِيمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر ثَنَا شُعْبَة قَالَ سَمِعْت سِمَاك بْن حَرْب يَقُول سَمِعْت عَبَّاد بْن حُبَيْش يُحَدِّث عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ جَاءَتْ خَيْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفُّوا لَهُ فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه : نَأَى الْوَافِد وَانْقَطَعَ الْوَلَد وَأَنَا عَجُوز كَبِيرَة مَا بِي مِنْ خِدْمَة فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّه عَلَيْك قَالَ " مَنْ وَافِدك ؟ " قَالَتْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ " الَّذِي فَرَّ مِنْ اللَّه وَرَسُوله " قَالَتْ فَمَنَّ عَلَيَّ فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُل إِلَى جَنْبه تَرَى أَنَّهُ عَلِيّ قَالَ سَلِيهِ حِمْلَانًا فَسَأَلَتْهُ فَأَمَرَ لَهَا قَالَ فَأَتَتْنِي فَقَالَتْ لَقَدْ فَعَلْت فَعْلَة مَا كَانَ أَبُوك يَفْعَلهَا فَإِنَّهُ أَتَاهُ فُلَان فَأَصَابَ مِنْهُ وَأَتَاهُ فُلَان فَأَصَابَ مِنْهُ فَأَتَيْته فَإِذَا عِنْده اِمْرَأَة وَصِبْيَان وَذَكَرَ قُرْبهمْ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَعَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلِكِ كِسْرَى وَلَا قَيْصَر فَقَالَ " يَا عَدِيّ مَا أَفَرَّك ؟ أَنْ يُقَال لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه مَا أَفَرَّك أَنْ يُقَال اللَّه أَكْبَر ؟ فَهَلْ شَيْء أَكْبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " ؟ قَالَ فَأَسْلَمْت فَرَأَيْت وَجْهه اِسْتَبْشَرَ وَقَالَ" إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ الْيَهُود وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى" وَذَكَرَ الْحَدِيث وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث سِمَاك بْن حَرْب وَقَالَ حَسَن غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثه . " قُلْت" وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ سِمَاك عَنْ مُرِّيّ بْن قَطَرِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " قَالَ " هُمْ الْيَهُود " " وَلَا الضَّالِّينَ " قَالَ : " النَّصَارَى هُمْ الضَّالُّونَ " وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم بِهِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيث عَدِيّ هَذَا مِنْ طُرُق وَلَهُ أَلْفَاظ كَثِيرَة يَطُول ذِكْرهَا وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَنَا مَعْمَر عَنْ بُدَيْل الْعُقَيْلِيّ أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن شَقِيق أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى عَلَى فَرَسه وَسَأَلَهُ رَجُل مِنْ بَنِي الْقَيْن فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ - وَأَشَارَ إِلَى الْيَهُود - وَالضَّالُّونَ هُمْ النَّصَارَى " وَقَدْ رَوَاهُ الْجَرِيرِيّ وَعُرْوَة وَخَالِد الْحَذَّاء عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق فَأَرْسَلُوهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَنْ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُرْوَة تَسْمِيَة عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فَاَللَّه أَعْلَم وَقَدْ رَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ بُدَيْل بْن مَيْسَرَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ قَالَ " الْيَهُود " قُلْت الضَّالِّينَ قَالَ " النَّصَارَى " وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ هُمْ الْيَهُود وَلَا الضَّالِّينَ هُمْ النَّصَارَى وَقَالَ الضَّحَّاك وَابْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " الْيَهُود " وَلَا الضَّالِّينَ" النَّصَارَى وَكَذَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس وعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَلَا أَعْلَم بَيْن الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا اِخْتِلَافًا وَشَاهِد مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة مِنْ أَنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم وَقَوْله تَعَالَى فِي خِطَابه مَعَ بَنِي إِسْرَائِيل فِي سُورَة الْبَقَرَة " بِئْسَ مَا اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه بَغْيًا أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين " وَقَالَ فِي الْمَائِدَة " قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه مَنْ لَعَنَهُ اللَّه وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَعَبَدَ الطَّاغُوت أُولَئِكَ شَرّ مَكَانًا وَأَضَلّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل " وَقَالَ تَعَالَى " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُدَ وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " وَفِي السِّيرَة عَنْ زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَجَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه إِلَى الشَّام يَطْلُبُونَ الدِّين الْحَنِيف قَالَتْ لَهُ الْيَهُود إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع الدُّخُول مَعَنَا حَتَّى تَأْخُذ بِنَصِيبِك مِنْ غَضَب اللَّه فَقَالَ أَنَا مِنْ غَضَب اللَّه أَفِرّ وَقَالَتْ لَهُ النَّصَارَى إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع الدُّخُول مَعَنَا حَتَّى تَأْخُذ بِنَصِيبِك مِنْ سَخَط اللَّه فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعهُ فَاسْتَمَرَّ عَلَى فِطْرَته وَجَانَبَ عِبَادَة الْأَوْثَان وَدِين الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَدْخُل مَعَ أَحَد مِنْ الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى وَأَمَّا أَصْحَابه فَتَنَصَّرُوا وَدَخَلُوا فِي دِين النَّصْرَانِيَّة لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ أَقْرَب مِنْ دِين الْيَهُود إِذْ ذَاكَ وَكَانَ مِنْهُمْ وَرَقَة بْن نَوْفَل حَتَّى هَدَاهُ اللَّه بِنَبِيِّهِ لَمَّا بَعَثَهُ آمَنَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْوَحْي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " مَسْأَلَة" وَالصَّحِيح مِنْ مَذَاهِب الْعُلَمَاء أَنَّهُ يُغْتَفَر الْإِخْلَال بِتَحْرِيرِ مَا بَيْن الضَّاد وَالظَّاء لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الضَّاد مَخْرَجهَا مِنْ أَوَّل حَافَّة اللِّسَان وَمَا يَلِيهَا مِنْ الْأَضْرَاس وَمَخْرَج الظَّاء مِنْ طَرَف اللِّسَان وَأَطْرَاف الثَّنَايَا الْعُلْيَا وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرْفَيْنِ مِنْ الْحُرُوف الْمَجْهُورَة وَمِنْ الْحُرُوف الرِّخْوَة وَمِنْ الْحُرُوف الْمُطْبَقَة فَلِهَذَا كُلّه اُغْتُفِرَ اِسْتِعْمَال أَحَدهمَا مَكَان الْآخَر لِمَنْ لَا يُمَيِّز ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم وَأَمَّا حَدِيث " أَنَا أَفْصَح مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ " فَلَا أَصْل لَهُ وَاَللَّه أَعْلَم . " فَصْل" اِشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة وَهِيَ سَبْع آيَات عَلَى حَمْد اللَّه وَتَمْجِيده وَالثَّنَاء عَلَيْهِ بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمُسْتَلْزِمَة لِصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَعَلَى ذِكْر الْمَعَاد وَهُوَ يَوْم الدِّين وَعَلَى إِرْشَاده عَبِيده إِلَى سُؤَاله وَالتَّضَرُّع إِلَيْهِ وَالتَّبَرُّؤِ مِنْ حَوْلِهِمْ وَقُوَّتهمْ وَإِلَى إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ وَتَوَحُّده بِالْأُلُوهِيَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَنْزِيهه أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك أَوْ نَظِير أَوْ مُمَاثِل وَإِلَى سُؤَالهمْ إِيَّاهُ الْهِدَايَة إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم وَهُوَ الدِّين الْقَوِيم وَتَثْبِيتهمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُمْ بِذَلِكَ إِلَى جَوَاز الصِّرَاط الْحِسِّيَّة يَوْم الْقِيَامَة الْمُفْضِي بِهِمْ إِلَى جَنَّات النَّعِيم فِي جِوَار النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّرْغِيب فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة لِيَكُونُوا مَعَ أَهْلهَا يَوْم الْقِيَامَة وَالتَّحْذِير مِنْ مَسَالِك الْبَاطِل لِئَلَّا يُحْشَرُوا مَعَ سَالِكِيهَا يَوْم الْقِيَامَة وَهُمْ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ وَمَا أَحْسَن مَا جَاءَ إِسْنَاد الْإِنْعَام إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى" صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ" وَحَذَفَ الْفَاعِل فِي الْغَضَب فِي قَوْله تَعَالَى " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاعِل لِذَلِكَ فِي الْحَقِيقَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ " الْآيَة . وَكَذَلِكَ إِسْنَاد الضَّلَال إِلَى مَنْ قَامَ بِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَضَلَّهُمْ بِقَدَرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " مَنْ يَهْدِ اللَّه فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يَضْلِلْ فَلَنْ تَجِد لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا " وَقَالَ " مَنْ يَضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ" إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانه هُوَ الْمُنْفَرِد بِالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَال لَا كَمَا تَقُول الْفِرْقَة الْقَدَرِيَّة وَمَنْ حَذَا حَذْوهمْ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَ هُمْ الَّذِينَ يَخْتَارُونَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَهُ وَيَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتهمْ بِمُتَشَابِهٍ مِنْ الْقُرْآن وَيَتْرُكُونَ مَا يَكُون فِيهِ صَرِيحًا فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ وَهَذَا حَال أَهْل الضَّلَال وَالْغَيّ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح . " إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ" يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاءَ تَأْوِيله " فَلَيْسَ بِحَمْدِ اللَّه لِمُبْتَدَعٍ فِي الْقُرْآن حَجَّة صَحِيحَة لِأَنَّ الْقُرْآن جَاءَ لِيَفْصِل الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِل مُفَرِّقًا بَيْن الْهُدَى وَالضَّلَال وَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُض وَلَا اِخْتِلَاف لِأَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه تَنْزِيل مِنْ حَكِيم حَمِيد. " فَصْل " يُسْتَحَبّ لِمَنْ يَقْرَأ الْفَاتِحَة أَنْ يَقُول بَعْدَهَا آمِينَ مِثْل يس وَيُقَال أَمِين بِالْقَصْرِ أَيْضًا وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اِسْتَجِبْ وَالدَّلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب التَّأْمِين مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ وَائِل بْن حُجْر قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ" غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " فَقَالَ " آمِينَ" مَدّ بِهَا صَوْته وَلِأَبِي دَاوُدَ رَفَعَ بِهَا صَوْته وَقَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حَسَن وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَغَيْرهمْ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَلَا " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " قَالَ " آمِينَ " حَتَّى يُسْمِع مَنْ يَلِيه مِنْ الصَّفّ الْأَوَّل رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ وَزَادَ فِيهِ : فَيَرْتَجّ بِهَا الْمَسْجِد . وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : هَذَا إِسْنَاد حَسَن . وَعَنْ بِلَال أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه لَا تَسْبِقنِي بِآمِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ أَبُو نَصْر الْقُشَيْرِيّ عَنْ الْحَسَن وَجَعْفَر الصَّادِق أَنَّهُمَا شَدَّدَا الْمِيمَ مِنْ آمِينَ مِثْل " آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام " قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ وَيُسْتَحَبّ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ خَارِج الصَّلَاة وَيَتَأَكَّد فِي حَقّ الْمُصَلِّي وَسَوَاء كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَفِي جَمِيع الْأَحْوَال لِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا أَمَّنَ الْإِمَام فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه " وَلِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا قَالَ أَحَدكُمْ فِي الصَّلَاة آمِينَ وَالْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه " قِيلَ بِمَعْنَى مَنْ وَافَقَ تَأْمِينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة فِي الزَّمَان وَقِيلَ فِي الْإِجَابَة وَقِيلَ فِي صِفَة الْإِخْلَاص . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا" إِذَا قَالَ - يَعْنِي الْإِمَام - وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمْ اللَّه " وَقَالَ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه مَا مَعْنَى آمِينَ ؟ قَالَ " رَبّ اِفْعَلْ " وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ مَعْنَى آمِينَ كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ مَعْنَاهُ لَا تُخَيِّب رَجَاءَنَا . وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اِسْتَجِبْ لَنَا . وَحَكَى الْقُرْطُبِيّ عَنْ مُجَاهِد وَجَعْفَر الصَّادِق وَهِلَال بْن يَسَاف أَنَّ آمِينَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحّ قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِيّ. وَقَالَ أَصْحَاب مَالِك لَا يُؤَمِّن الْإِمَام وَيُؤْمِن الْمَأْمُوم لِمَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ سُمَيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا قَالَ - يَعْنِي الْإِمَام - وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ " الْحَدِيث وَاسْتَأْنَسُوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْد مُسْلِم" وَإِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ " وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُتَّفَق عَلَيْهِ " إِذَا أَمَّنَ الْإِمَام فَأَمِّنُوا " وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُؤَمِّن إِذَا قَرَأَ " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي الْجَهْر بِالتَّأْمِينِ لِلْمَأْمُومِ فِي الْجَهْرِيَّة وَحَاصِل الْخِلَاف أَنَّ الْإِمَامَ إِنْ نَسِيَ التَّأْمِين جَهَرَ الْمَأْمُوم بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَمَّنَ الْإِمَام جَهْرًا فَالْجَدِيد أَنَّهُ لَا يَجْهَر الْمَأْمُوم وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَرِوَايَة عَنْ مَالِك لِأَنَّهُ ذِكْر مِنْ الْأَذْكَار فَلَا يَجْهَر بِهِ كَسَائِرِ أَذْكَار الصَّلَاة . وَالْقَدِيم أَنَّهُ يَجْهَر بِهِ وَهُوَ مَذْهَب الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ مَالِك لِمَا تَقَدَّمَ " حَتَّى يَرْتَجّ الْمَسْجِد " وَلَنَا قَوْل آخَر ثَالِث أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَسْجِد صَغِيرًا لَمْ يَجْهَر الْمَأْمُوم لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ قِرَاءَة الْإِمَام وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جَهَرَ لِيَبْلُغ التَّأْمِين مَنْ فِي أَرْجَاء الْمَسْجِد وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَتْ عِنْده الْيَهُود فَقَالَ " إِنَّهُمْ لَنْ يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْء كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى الْجُمُعَة الَّتِي هَدَانَا اللَّه لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وَعَلَى الْقِبْلَة الَّتِي هَدَانَا اللَّه لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وَعَلَى قَوْلنَا خَلْف الْإِمَام آمِينَ " وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ وَلَفْظه" مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُود عَلَى شَيْء مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى قَوْل آمِينَ فَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْل آمِينَ " وَفِي إِسْنَاده طَلْحَة بْن عَمْرو وَهُوَ ضَعِيف وَرَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " آمِينَ خَاتَم رَبّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ " وَعَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ" أُعْطِيت آمِينَ فِي الصَّلَاة وَعِنْدَ الدُّعَاء لَمْ يُعْطَ أَحَد قَبْلِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوسَى كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُون يُؤَمِّن فَاخْتِمُوا الدُّعَاء بِآمِينَ فَإِنَّ اللَّه يَسْتَجِيبهُ لَكُمْ " " قُلْت " وَمِنْ هُنَا نَزَعَ بَعْضهمْ فِي الدَّلَالَة بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى " وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِنَّك آتَيْت فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبّنَا لِيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلك رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعَوْتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " فَذَكَرَ الدُّعَاءَ عَنْ مُوسَى وَحْدَهُ وَمِنْ سِيَاق الْكَلَام مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَارُون أَمَّنَ فَنُزِّلَ مَنْزِلَة مَنْ دَعَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى" قَدْ أُجِيبَتْ دَعَوْتُكُمَا " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَمَّنَ عَلَى دُعَاء فَكَأَنَّمَا قَالَهُ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَأْمُوم لَا يَقْرَأ لِأَنَّ تَأْمِينه عَلَى قِرَاءَة الْفَاتِحَة بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتهَا وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَام فَقِرَاءَة الْإِمَام لَهُ قِرَاءَة " رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده وَكَانَ بِلَال يَقُول لَا تَسْبِقنِي بِآمِينَ يَا رَسُول اللَّه . فَدَلَّ هَذَا الْمَنْزَع عَلَى أَنَّ الْمَأْمُوم لَا قِرَاءَة عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِيَّة وَاَللَّه أَعْلَم وَلِهَذَا قَالَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سَلَّام حَدَّثَنَا إِسْحَاق حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ لَيْث عَنْ اِبْن أَبِي سُلَيْم عَنْ كَعْب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا قَالَ الْإِمَام " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " فَقَالَ آمِينَ فَوَافَقَ آمِينَ أَهْل الْأَرْض آمِينَ أَهْل السَّمَاء غَفَرَ اللَّه لِلْعَبْدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَثَل مَنْ لَا يَقُول آمِينَ كَمَثَلِ رَجُل غَزَا مَعَ قَوْم فَاقْتَرَعُوا فَخَرَجَتْ سِهَامهمْ وَلَمْ يَخْرُج سَهْمه فَقَالَ لِمَ لَمْ يَخْرُج سَهْمِي ؟ فَقِيلَ : إِنَّك لَمْ تَقُلْ آمِينَ " .


التفسير القرطبى

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
صِرَاط بَدَل مِنْ الْأَوَّل بَدَل الشَّيْء مِنْ الشَّيْء ; كَقَوْلِك : جَاءَنِي زَيْد أَبُوك. وَمَعْنَاهُ : أَدِمْ هِدَايَتَنَا , فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُهْدَى إِلَى الطَّرِيق ثُمَّ يُقْطَع بِهِ . وَقِيلَ : هُوَ صِرَاط آخَر , وَمَعْنَاهُ الْعِلْم بِاَللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالْفَهْم عَنْهُ ; قَالَهُ جَعْفَر بْن مُحَمَّد. وَلُغَة الْقُرْآن " الَّذِينَ " فِي الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْجَرّ , وَهُذَيْل تَقُول : اللَّذُونَ فِي الرَّفْع , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : اللَّذُو , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول الَّذِي وَسَيَأْتِي . وَفِي " عَلَيْهِمْ " عَشْر لُغَات ; قُرِئَ بِعَامَّتِهَا : " عَلَيْهُمْ " بِضَمِّ الْهَاء وَإِسْكَان الْمِيم . " وَعَلَيْهِمْ " بِكَسْرِ الْهَاء وَإِسْكَان الْمِيم . وَ " عَلَيْهِمِي " بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمِيم وَإِلْحَاق يَاء بَعْد الْكَسْرَة . وَ " عَلَيْهِمُو " بِكَسْرِ الْهَاء وَضَمّ الْمِيم وَزِيَادَة وَاو بَعْدَ الضَّمَّة. وَ " عَلَيْهُمُو " بِضَمِّ الْهَاء وَالْمِيم كِلْتَيْهِمَا وَإِدْخَال وَاو بَعْدَ الْمِيم وَ " عَلَيْهُمُ " بِضَمِّ الْهَاء وَالْمِيم مِنْ غَيْر زِيَادَة وَاو . وَهَذِهِ الْأَوْجُه السِّتَّة مَأْثُورَة عَنْ الْأَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء. وَأَوْجُه أَرْبَعَة مَنْقُولَة عَنْ الْعَرَب غَيْر مَحْكِيَّة عَنْ الْقُرَّاء : " عَلَيْهُمِي " بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْر الْمِيم وَإِدْخَال يَاء بَعْد الْمِيم ; حَكَاهَا الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ الْعَرَب . وَ " عَلَيْهُمِ " بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْر الْمِيم مِنْ غَيْر زِيَادَة يَاء. وَ " عَلَيْهِمُ " بِكَسْرِ الْهَاء وَضَمّ الْمِيم مِنْ غَيْر إِلْحَاق وَاو . وَ " عَلَيْهِمِ " بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمِيم وَلَا يَاءَ بَعْدَ الْمِيم . وَكُلّهَا صَوَاب ; قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " صِرَاط مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ " . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمُنْعَم عَلَيْهِمْ ; فَقَالَ الْجُمْهُور مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُ أَرَادَ صِرَاط النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ. وَانْتَزَعُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : " وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " [ النِّسَاء : 69 ] . فَالْآيَة تَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم , وَهُوَ الْمَطْلُوب فِي آيَة الْحَمْد ; وَجَمِيع مَا قِيلَ إِلَى هَذَا يَرْجِع , فَلَا مَعْنَى لِتَعْدِيدِ الْأَقْوَال وَاَللَّه الْمُسْتَعَان .

وَفِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْمُعْتَزِلَة وَالْإِمَامِيَّة , لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ إِرَادَةَ الْإِنْسَان كَافِيَة فِي صُدُور أَفْعَاله مِنْهُ , طَاعَة كَانَتْ أَوْ مَعْصِيَة ; لِأَنَّ الْإِنْسَان عِنْدَهُمْ خَالِق لِأَفْعَالِهِ , فَهُوَ غَيْر مُحْتَاج فِي صُدُورهَا عَنْهُ إِلَى رَبّه ; وَقَدْ أَكْذَبهمْ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة إِذْ سَأَلُوهُ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ; فَلَوْ كَانَ الْأَمْر إِلَيْهِمْ وَالِاخْتِيَار بِيَدِهِمْ دُونَ رَبّهمْ لَمَا سَأَلُوهُ الْهِدَايَةَ , وَلَا كَرَّرُوا السُّؤَالَ فِي كُلّ صَلَاة ; وَكَذَلِكَ تَضَرُّعهمْ إِلَيْهِ فِي دَفْع الْمَكْرُوه , وَهُوَ مَا يُنَاقِض الْهِدَايَة حَيْثُ قَالُوا : " صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " [ الْفَاتِحَة : الْآيَة ]. فَكَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ سَأَلُوهُ أَلَّا يَضِلَّهُمْ , وَكَذَلِكَ يَدْعُونَ فَيَقُولُونَ : " رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا " [ آل عِمْرَان : 8 ] الْآيَة .

{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
اُخْتُلِفَ فِي " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " و" الضَّالِّينَ " مَنْ هُمْ فَالْجُمْهُور أَنَّ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ الْيَهُود , وَالضَّالِّينَ النَّصَارَى ; وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عَدِيّ بْن حَاتِم وَقِصَّة إِسْلَامه , أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده , وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه . وَشَهِدَ لِهَذَا التَّفْسِير أَيْضًا قَوْله سُبْحَانه فِي الْيَهُود : " وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه " [ الْبَقَرَة : 61 وَآل عِمْرَان : 112 ] . وَقَالَ : " وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ " [ الْفَتْح : 6 ] وَقَالَ فِي النَّصَارَى : " قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل " [ الْمَائِدَة : 77 ] . وَقِيلَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " الْمُشْرِكُونَ . وَ " الضَّالِّينَ " الْمُنَافِقُونَ .

وَقِيلَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " هُوَ مَنْ أَسْقَطَ فَرْض هَذِهِ السُّورَة فِي الصَّلَاة ; و" الضَّالِّينَ " عَنْ بَرَكَة قِرَاءَتهَا. حَكَاهُ السُّلَمِيّ فِي حَقَائِقه وَالْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره ; وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَهَذَا وَجْه مَرْدُود , لِأَنَّ مَا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَخْبَار وَتَقَابَلَتْ فِيهِ الْآثَار وَانْتَشَرَ فِيهِ الْخِلَاف , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْم . وَقِيلَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " بِاتِّبَاعِ الْبِدَع ; وَ " الضَّالِّينَ " عَنْ سُنَن الْهُدَى .

قُلْت : وَهَذَا حَسَن ; وَتَفْسِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَأَعْلَى وَأَحْسَن . وَ " عَلَيْهِمْ " فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّ الْمَعْنَى غَضِبَ عَلَيْهِمْ. وَالْغَضَب فِي اللُّغَة الشِّدَّة. وَرَجُل غَضُوب أَيْ شَدِيد الْخُلُق . وَالْغَضُوب : الْحَيَّة الْخَبِيثَة لِشِدَّتِهَا. وَالْغَضْبَة : الدَّرَقَة مِنْ جِلْد الْبَعِير يُطْوَى بَعْضهَا عَلَى بَعْض ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّتِهَا . وَمَعْنَى الْغَضَب فِي صِفَة اللَّه تَعَالَى إِرَادَة الْعُقُوبَة , فَهُوَ صِفَة ذَات , وَإِرَادَة اللَّه تَعَالَى مِنْ صِفَات ذَاته ; أَوْ نَفْس الْعُقُوبَة , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( إِنَّ الصَّدَقَة لَتُطْفِئ غَضَب الرَّبّ ) فَهُوَ صِفَة فِعْل .

" وَلَا الضَّالِّينَ " الضَّلَال فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الذَّهَاب عَنْ سَنَن الْقَصْد وَطَرِيق الْحَقّ ; وَمِنْهُ : ضَلَّ اللَّبَن فِي الْمَاء أَيْ غَابَ. وَمِنْهُ : " أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض " [ السَّجْدَة : 10 ] أَيْ غِبْنَا بِالْمَوْتِ وَصِرْنَا تُرَابًا ; قَالَ : أَلَمْ تَسْأَل فَتُخْبِرَك الدِّيَار عَنْ الْحَيّ الْمُضَلَّل أَيْنَ سَارُوا وَالضُّلَضِلَةُ : حَجَر أَمْلَس يُرَدِّدهُ الْمَاء فِي الْوَادِي . وَكَذَلِكَ الْغَضْبَة : صَخْرَة فِي الْجَبَل مُخَالِفَة لَوْنه , قَالَ : أَوْ غَضْبَة فِي هَضْبَة مَا أَمْنَعَا قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأُبَيّ بْن كَعْب " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَغَيْر الضَّالِّينَ " وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي الرَّاء النَّصْب وَالْخَفْض فِي الْحَرْفَيْنِ ; فَالْخَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ " الَّذِينَ " أَوْ مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " عَلَيْهِمْ " ; أَوْ صِفَة لِلَّذِينَ وَاَلَّذِينَ مَعْرِفَة وَلَا تُوصَف الْمَعَارِف بِالنَّكِرَاتِ وَلَا النَّكِرَات بِالْمَعَارِفِ , إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ قَصْدَهُمْ فَهُوَ عَامّ ; فَالْكَلَام بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : إِنِّي لَأَمُرّ بِمِثْلِك فَأُكْرِمهُ ; أَوْ لِأَنَّ " غَيْر " تَعَرَّفَتْ لِكَوْنِهَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا وَسَطَ بَيْنَهُمَا , كَمَا تَقُول : الْحَيّ غَيْر الْمَيِّت , وَالسَّاكِن غَيْر الْمُتَحَرِّك , وَالْقَائِم غَيْر الْقَاعِد , قَوْلَانِ : الْأَوَّل لِلْفَارِسِيِّ , وَالثَّانِي لِلزَّمَخْشَرِيِّ . وَالنَّصْب فِي الرَّاء عَلَى وَجْهَيْنِ : عَلَى الْحَال مِنْ الَّذِينَ , أَوْ مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي عَلَيْهِمْ , كَأَنَّك قُلْت : أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ لَا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ . أَوْ عَلَى الِاسْتِثْنَاء , كَأَنَّك قُلْت : إِلَّا الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ . وَيَجُوز النَّصْب بِأَعْنِي ; وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيل .

" لَا " فِي قَوْله " وَلَا الضَّالِّينَ " اُخْتُلِفَ فِيهَا , فَقِيلَ هِيَ زَائِدَة ; قَالَهُ الطَّبَرِيّ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ " [ الْأَعْرَاف : 12 ] . وَقِيلَ : هِيَ تَأْكِيد دَخَلَتْ لِئَلَّا يُتَوَهَّم أَنَّ الضَّالِّينَ مَعْطُوف عَلَى الَّذِينَ , حَكَاهُ مَكِّيّ وَالْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : " لَا " بِمَعْنَى غَيْر , وَهِيَ قِرَاءَة عُمَر وَأُبَيّ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .

الْأَصْل فِي " الضَّالِّينَ " : الضَّالِلِينَ حُذِفَتْ حَرَكَة اللَّام الْأُولَى ثُمَّ أُدْغِمَتْ اللَّام فِي اللَّام فَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ مَدَّة الْأَلِف وَاللَّام الْمُدْغَمَة. وَقَرَأَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ : " وَلَا الضَّأْلِينَ " بِهَمْزَةٍ غَيْر مَمْدُودَة ; كَأَنَّهُ فَرَّ مِنْ اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ وَهِيَ لُغَة . حَكَى أَبُو زَيْد قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن عُبَيْد يَقْرَأ : " فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إِنْس وَلَا جَانّ " [ الرَّحْمَن : 39 ] فَظَنَنْته قَدْ لَحَنَ حَتَّى سَمِعْت مِنْ الْعَرَب : دَأَبَّة وَشَأَبَّة . قَالَ أَبُو الْفَتْح : وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَة قَوْل كَثِير : إِذَا مَا الْعَوَالِي بِالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتْ نُجِزَ تَفْسِير سُورَة الْحَمْد ; وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .

{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

"Tunjukilah kami jalan yang lurus",

"Show us the straight way",


التفسير الجلالين

{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
"اهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم" أَيْ أَرْشِدْنَا إلَيْهِ وَيُبْدَل مِنْهُ


التفسيرالطبرى

{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى " الصِّرَاط " فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله " اِهْدِنَا " , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : " هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " . 147 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى ". 148 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه " . 149 - حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 - وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ". وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ .



التفسير ابن كثير

{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
قِرَاءَة الْجُمْهُور بِالصَّادِ وَقُرِئَ السِّرَاط وَقُرِئَ بِالزَّايِ قَالَ الْفَرَّاء وَهِيَ لُغَة بَنِي عُذْرَة وَبَنِي كَلْب . لَمَّا تَقَدَّمَ الثَّنَاء عَلَى الْمَسْئُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَاسَبَ أَنْ يُعَقِّب بِالسُّؤَالِ كَمَا قَالَ" فَنِصْفهَا لِي وَنِصْفهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " وَهَذَا أَكْمَل أَحْوَال السَّائِل أَنْ يَمْدَح مَسْئُوله ثُمَّ يَسْأَل حَاجَته وَحَاجَة إِخْوَانه الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " لِأَنَّهُ أَنْجَحَ لِلْحَاجَةِ وَأَنْجَع لِلْإِجَابَةِ وَلِهَذَا أَرْشَدَ اللَّه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَل وَقَدْ يَكُون السُّؤَال بِالْإِخْبَارِ عَنْ حَال السَّائِل وَاحْتِيَاجه كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام " رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير " وَقَدْ يَتَقَدَّمهُ مَعَ ذَلِكَ وَصْف مَسْئُول كَقَوْلِ ذِي النُّون " لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ " وَقَدْ يَكُون بِمُجَرَّدِ الثَّنَاء عَلَى الْمَسْئُول كَقَوْلِ الشَّاعِر : أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي حِيَاؤُك إِنَّ شِيمَتك الْحِيَاء إِذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْء يَوْمًا كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضه الثَّنَاء وَالْهِدَايَة هَهُنَا الْإِرْشَاد وَالتَّوْفِيق وَقَدْ تُعَدَّى الْهِدَايَة بِنَفْسِهَا كَمَا هُنَا" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " فَتُضَمَّن مَعْنَى أَلْهِمْنَا أَوْ وَفِّقْنَا أَوْ اُرْزُقْنَا أَوْ اِعْطِنَا " وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" أَيْ بَيَّنَّا لَهُ الْخَيْر وَالشَّرّ وَقَدْ تُعَدَّى بِإِلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " " فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْإِرْشَاد وَالدَّلَالَة وَكَذَلِكَ قَوْله : " وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " وَقَدْ تُعَدَّى بِاللَّامِ كَقَوْلِ أَهْل الْجَنَّة " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا " أَيْ وَفَّقَنَا لِهَذَا وَجَعَلَنَا لَهُ أَهْلًا . وَأَمَّا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم فَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ وَذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطْفِيّ : أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاط إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِد مُسْتَقِيم قَالَ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَر قَالَ ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وَوَصْف بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْمُفَسِّرِينَ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف فِي تَفْسِير الصِّرَاط وَإِنْ كَانَ يَرْجِع حَاصِلهَا إِلَى شَيْء وَاحِد وَهُوَ الْمُتَابَعَة لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَرُوِيَ أَنَّهُ كِتَاب اللَّه قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن يَمَان عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات عَنْ سَعِيد وَهُوَ اِبْن الْمُخْتَار الطَّائِيّ عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر عَنْ الْحَارِث الْأَعْوَر عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ حَدِيث حَمْزَة اِبْن حَبِيب الزَّيَّات وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَة الْحَارِث الْأَعْوَر عَنْ عَلِيّ مَرْفُوعًا " وَهُوَ حَبْل اللَّه الْمَتِين وَهُوَ الذِّكْر الْحَكِيم وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم" وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ أَشْبَه وَاَللَّه أَعْلَم وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه. وَقِيلَ هُوَ الْإِسْلَام قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَام " قُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ وَقَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " قَالَ ذَاكَ الْإِسْلَام وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن السُّدِّيّ الْكَبِير عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم" قَالُوا هُوَ الْإِسْلَام وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل عَنْ جَابِر اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم قَالَ هُوَ الْإِسْلَام أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَقَالَ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله تَعَالَى : " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " قَالَ هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْرَهُ وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم قَالَ هُوَ الْإِسْلَام وَفِي هَذَا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن سِوَار أَبُو الْعَلَاء حَدَّثَنَا لَيْث يَعْنِي اِبْن سَعْد عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّوَّاس بْن سَمْعَان عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاط سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَاب مُفَتَّحَة وَعَلَى الْأَبْوَاب سُتُور مُرْخَاة وَعَلَى بَاب الصِّرَاط دَاعٍ يَقُول يَا أَيّهَا النَّاس اُدْخُلُوا الصِّرَاط جَمِيعًا وَلَا تَعْوَجُّوا وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْق الصِّرَاط فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَان أَنْ يَفْتَح شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَاب قَالَ وَيْحك لَا تَفْتَحهُ - فَإِنَّك إِنْ تَفْتَحهُ تَلِجهُ - فَالصِّرَاط الْإِسْلَام وَالسُّورَانِ حُدُود اللَّه وَالْأَبْوَاب الْمُفَتَّحَة مَحَارِم اللَّه وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْس الصِّرَاط كِتَاب اللَّه وَالدَّاعِي مِنْ فَوْق الصِّرَاط وَاعِظ اللَّه فِي قَلْب كُلّ مُسْلِم " . وَهَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن جَرِير مِنْ حَدِيث اللَّيْث بْن سَعْد بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا عَنْ عَلِيّ بْن حُجْر عَنْ بَقِيَّة عَنْ بُجَيْر بْن سَعْد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ النَّوَّاس بْن سَمْعَان بِهِ . وَهُوَ إِسْنَاد حَسَن صَحِيح وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ مُجَاهِد " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " قَالَ الْحَقّ وَهَذَا أَشْمَل وَلَا مُنَافَاة بَيْنه وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن جَرِير مِنْ حَدِيث أَبِي النَّضْر هَاشِم بْن الْقَاسِم أَنَا حَمْزَة بْن الْمُغِيرَة عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي الْعَالِيَة " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " قَالَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده قَالَ عَاصِم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلْحَسَنِ فَقَالَ صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال صَحِيحَة وَهِيَ مُتَلَازِمَة فَإِنَّ مَنْ اِتَّبَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْتَدَى بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْده أَبِي بَكْر وَعُمَر فَقَدْ اِتَّبَعَ الْحَقّ وَمَنْ اِتَّبَعَ الْحَقّ فَقَدْ اِتَّبَعَ الْإِسْلَام وَمَنْ اِتَّبَعَ الْإِسْلَام فَقَدْ اِتَّبَعَ الْقُرْآن وَهُوَ كِتَاب اللَّه وَحَبْله الْمَتِين وَصِرَاطه الْمُسْتَقِيم فَكُلّهَا صَحِيحَة يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا وَلِلَّهِ الْحَمْد وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْفَضْل السَّقَطِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مَهْدِيّ الْمِصِّيصِيّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم الَّذِي تَرَكَنَا عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي أَعْنِي " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم" - أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك مِنْ قَوْل وَعَمَل وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ وَتَصْدِيق الرُّسُل وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ وَاتِّبَاع مِنْهَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَاج الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَكُلّ عَبْد صَالِح وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. " فَإِنْ قِيلَ " فَكَيْف يَسْأَل الْمُؤْمِن الْهِدَايَة فِي كُلّ وَقْت مِنْ صَلَاة وَغَيْرهَا وَهُوَ مُتَّصِف بِذَلِكَ ؟ فَهَلْ هَذَا مِنْ بَاب تَحْصِيل الْحَاصِل أَمْ لَا ؟ فَالْجَوَاب أَنْ لَا وَلَوْلَا اِحْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سُؤَال الْهِدَايَة لَمَا أَرْشَدَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِر فِي كُلّ سَاعَة وَحَالَة إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي تَثْبِيته عَلَى الْهِدَايَة وَرُسُوخه فِيهَا وَتَبَصُّره وَازْدِيَاده مِنْهَا وَاسْتِمْرَاره عَلَيْهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِك لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلّ وَقْت أَنْ يَمُدّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَات وَالتَّوْفِيق فَالسَّعِيد مَنْ وَفَّقَهُ اللَّه تَعَالَى لِسُؤَالِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرّ الْمُحْتَاج الْمُفْتَقِر إِلَيْهِ آنَاء اللَّيْل وَأَطْرَاف النَّهَار وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " يَا أَيّهَا آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل " الْآيَة فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَاب تَحْصِيل الْحَاصِل لِأَنَّ الْمُرَاد الثَّبَات وَالِاسْتِمْرَار وَالْمُدَاوَمَة عَلَى الْأَعْمَال الْمُعِينَة عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ تَعَالَى آمِرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا " رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْتَ الْوَهَّاب " وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَأ بِهَذِهِ الْآيَة فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة مِنْ صَلَاة الْمَغْرِب بَعْد الْفَاتِحَة سِرًّا فَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " اِسْتَمِرَّ بِنَا عَلَيْهِ وَلَا تَعْدِل بِنَا إِلَى غَيْره .


التفسير القرطبى

{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
" اِهْدِنَا " دُعَاء وَرَغْبَة مِنْ الْمَرْبُوب إِلَى الرَّبّ ; وَالْمَعْنَى : دُلَّنَا عَلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم وَأَرْشِدْنَا إِلَيْهِ , وَأَرِنَا طَرِيق هِدَايَتك الْمُوَصِّلَة إِلَى أُنْسِك وَقُرْبك. قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : فَجَعَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عِظَم الدُّعَاء وَجُمْلَته مَوْضُوعًا فِي هَذِهِ السُّورَة , نِصْفهَا فِيهِ مَجْمَع الثَّنَاء , وَنِصْفهَا فِيهِ مَجْمَع الْحَاجَات , وَجَعَلَ هَذَا الدُّعَاء الَّذِي فِي هَذِهِ السُّورَة أَفْضَل مِنْ الَّذِي يَدْعُو بِهِ [ الدَّاعِي ] لِأَنَّ هَذَا الْكَلَام قَدْ تَكَلَّمَ بِهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , فَأَنْتَ تَدْعُو بِدُعَاءِ هُوَ كَلَامه الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ; وَفِي الْحَدِيث : ( لَيْسَ شَيْء أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْ الدُّعَاء ) . وَقِيلَ الْمَعْنَى : أَرْشِدْنَا بِاسْتِعْمَالِ السُّنَن فِي أَدَاء فَرَائِضك ; وَقِيلَ : الْأَصْل فِيهِ الْإِمَالَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : 156 ] أَيْ مِلْنَا ; وَخَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَرَضه يَتَهَادَى بَيْن اِثْنَيْنِ ; أَيْ يَتَمَايَل . وَمِنْهُ الْهَدِيَّة ; لِأَنَّهَا تُمَال مِنْ مَلِك إِلَى مَلِك . وَمِنْهُ الْهَدْي لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يُسَاق إِلَى الْحَرَم ; فَالْمَعْنَى مِلْ بِقُلُوبِنَا إِلَى الْحَقّ . وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " طَرِيق الْحَجّ , وَهَذَا خَاصّ وَالْعُمُوم أَوْلَى . قَالَ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. وَقَالَ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده . قَالَ عَاصِم فَقُلْت لِلْحَسَنِ : إِنَّ أَبَا الْعَالِيَة يَقُول : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ , قَالَ : صَدَقَ وَنَصَحَ. أَصْل الصِّرَاط فِي كَلَام الْعَرَب الطَّرِيق ; قَالَ عَامِر بْن الطُّفَيْل : شَحَنَّا أَرْضهمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنْ الصِّرَاط وَقَالَ جَرِير : أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاط إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِد مُسْتَقِيم وَقَالَ آخَر : فَصَدَّ عَنْ نَهْج الصِّرَاط الْوَاضِح وَحَكَى النَّقَّاش : الصِّرَاط الطَّرِيق بِلُغَةِ الرُّوم ; فَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف جِدًّا. وَقُرِئَ : السِّرَاط ( بِالسِّينِ ) مِنْ الِاسْتِرَاط بِمَعْنَى الِابْتِلَاع ; كَأَنَّ الطَّرِيقَ يَسْتَرِط مَنْ يَسْلُكهُ . وَقُرِئَ بَيْنَ الزَّاي وَالصَّاد . وَقُرِئَ بِزَايٍ خَالِصَة وَالسِّين الْأَصْل . وَحَكَى سَلَمَة عَنْ الْفَرَّاء قَالَ : الزِّرَاط بِإِخْلَاصِ الزَّاي لُغَة لِعُذْرَة وَكَلْب وَبَنِي الْقَيْن , قَالَ : وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ [ فِي أَصْدَق ] : أَزْدَق . وَقَدْ قَالُوا الْأَزْد وَالْأَسْد وَلَسِقَ بِهِ وَلَصِقَ بِهِ. وَ " الصِّرَاط " نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ; لِأَنَّ الْفِعْل مِنْ الْهِدَايَة يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِحَرْفِ جَرّ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " . [ الصَّافَّات : 23 ] . وَبِغَيْرِ حَرْف كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة . " الْمُسْتَقِيم " صِفَة لِ " الصِّرَاط " وَهُوَ الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ وَلَا اِنْحِرَافَ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ " [ الْأَنْعَام : 153 ] وَأَصْله مُسْتَقْوِمٌ , نُقِلَتْ الْحَرَكَة إِلَى الْقَاف وَانْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا .